Saturday, September 10, 2016

المقال الثالث من سلسلة مقالات تبيان وبرهان


المقال الثالث من سلسلة مقالات تبيان وبرهان

معنى القيامة والنفخ في الصور والحياة والموت المعنويين
عمار – اذن ما معنى ذلك؟
زيد – ان القيمة هي قيام رسول بالدعوة والنفخ في الصور دعوته للناس الى اتباعه قال تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون) الزمر-آية68.
ففي النفخة الاولى تموت الامة السابقة وتقوم قيامتها بنسخ دينها وهذا معنى الصعق وهو الهلاك وبالنفخة الثانية تأخذ الناس بالاستجابة للداعي والدخول في طاعته والائتمار بأمره فيخرج الناس عند ذلك من قبورهم التي هي المعتقدات الفاسدة والضلالات والجهالات التي دفنوا فيها انفسهم الى الحياة الايمانية والهداية وهذا معنى قوله فاذا هم قيام ينظرون أي ينظرون نظر المعرفة اذ أنهم وجدوا الحق فاتبعوه . فالقيامة بالنسبة الى الامة السابقة هي موتها فلما جاء عيسى عليه السلام وادعى الرسالة قامت قيامة الامة الموسوية وماتت . وبالنسبة للرسول نفسه هي قيامه بالدعوة فلماء جاء محمد صلى الله عليه وسلم وقام بالدعوة قامت قيامة الامة العيسوية وماتت وبموتها اصبح العالم كله ميتا ومن استجاب لمحمد صلى الله عليه وسلم فقد حلت به الحياة فالموت هنا والحياة امران معنويان فالايمان برسول الوقت حياة وعدمه موت .
ادلة ان معنى الحياة هو الايمان برسول الوقت والموت عدمه
عمار – هل لهذا من دليل؟
زيد – انظر لقوله تعالى: ( او من كان ميتاً فاحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) – انعام – آية 122 فمن كان المقصود بقوله ( او من كان ميتاً فاحييناه ) أليس الحمزة "رض" ؟ ومن المعلوم انه منذ ولد الى ان نزلت هذه الآية لم يزل الرجل حياً سوياً بهذه الحياة المعروفة ولم يكن قد مات ثم حيي وانما كان في ضلالة وجهالة ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقه وذاك هو الحياة وهذا امر معروف عند علماء الامة وكبار المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم قال العلامة ابو الثناء الالوسي في تفسيره روح المعاني عند تكلمه على هذه الآية والتفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " ان المراد بالميت الكافر الضال وبالاحياء الهداية وبالنور القرآن وبالظلمات الكفر والضلالة الى ان قال عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انها في حمزة وابي جهل وروى روايات اخرى انها نزلت في غيرهما ثم قال واياً ما كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل في ذلك كل من انقاد لامر الله تعالى ومن بقى في ضلاله وعتوه .ا.هـ."
وقال العلامة القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( والموتى يبعثهم الله) أنعام آية36 وهم الكفار عن الحسن ومجاهد أي هم بمنزلة الموتى في انهم لا يقبلون ولا يصغون الى حجة وقيل الموتى كل من مات (يبعثهم الله) أي للحساب وعلى الاول بعثهم هدايتهم الى الايمان بالله وبرسوله وعن الحسن هو بعثهم من شركهم حتى يؤمنوا بك يا محمد ا.هـ .
فترى العلامة القرطبي قد فسر الموتى بالكفار وبعثهم هدايتهم للايمان واورد القول المشهور ايضاً وهو بعثهم بعد موتهم الطبيعي جرياً على ماهو المعروف بين الناس وايَّد القول الاول. وقول الحسن " بعثهم من شركهم حتى يؤمنوا بك يامحمد" هو توضيح لمعنى الحياة فهؤلاء كبار المفسرين قد فسروا الحياة بالايمان والهداية . والموت بالكفر والضلال .
عمار – الايمان قد يسمى حياة والكفر قد يسمى موتاً ولكن ليس المقصود بالقيامة هذه الحياة المعنوية بل المقصود من القيامة الحياة الطبيبعية التي تكون بعد الموت الطبيعي المعروف فيكافأ فيه المطيع على اطاعته ويجازي العاصي على عصيانه. واما وضع الصراط والميزان وتبدل الارض غير الارض وطي السموات وغير ذلك مما هو كائن في ذلك اليوم فليست الا اموراً توضع لدقة محاسبة الناس ووضع حالة تليق بذلك اليوم العظيم.
فاذا كانت هذه القيامة لا وجود لها فلا حياة للانسان بعد موته الطبيبعي ولا عقاب ولا ثواب.
القيامات في الشريعة المحمدية ثلاث
زيد – هذا وهم كيف لا حياة بعد الموت الطبيعي ولا ثواب ولا عقاب فان ذلك مما اتفقت عليه كافة الاديان وهذه القيامة التي تعنيها انما هي القيامة الصغرى ففيها المكافأة والمجازات واما ما ذكرت من وضع الصراط والميزان الى آخره فهذه من لوازم القيامة الكبرى. ذلك ان القيامة في الشريعة المحمدية تطلق على عدة حالات فلذا اصطلحوا على تقسيمها لثلاثة اقسام قيامة كبرى وهي التي مر تعريفها وقيامة وسطى وهي موت اهل القرن الواحد ويشمل الموت الطبيعي والمعنوي وسنبحث بكل منهما اذا اتى دوره. وقيامة صغرى وهي التي فيها بحثنا الآن.
القيامة الصغرى
وهي عبارة عن انقطاع الروح ببدنها وهذا مايسمى بحسب العرف بالموت ثم بعد ذلك تحضر بين يدي الله بهيكل لائق بالبقاء ولائق بذاك العالم وينكشف ما كان مستوراً عنها في هذا العالم وترد جنات لا مثيل لها ولا معادل لها وهذه الجنات هي ثمرات اعمالهم في هذه الحياة وترى اقرانها وامثالها ومن هو دونها ومن هو اعلى منها من النفوس وتدرك جميع الاشياء وتتنعم بنعم لا تحصى ولا تحصر فلا يمكن ان يتصور ما ينال اهل الحق من الفرح والسرور عند ذلك كما لا يتصور ما ينال اهل الضلال من الخوف والاضطراب والوحشة ويردون ناراً لا شبه لها وينالون من العذاب الدائم الخالد مالم يسمع له مثيل من قبل. واما خذا الجسد المادي فانه ينتهي بالموت وينحل الى عناصره الاولية ولا تتجسم الروح به ثانية ولا بجسم عنصري آخر. فالثواب والعقاب الذي يظن انه يناله الانسان في القيامة المعروفة عند الناس انما يناله بعد موته مباشرة دون ان ينتظر وقتاً آخر فلا يستبطئ ثواباً ولا عقاباً. وهذه عقيدتنا وهي طبقا لما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية فالاصول في الاديان لا تتغير.
عمار – ان هذه الامور تحتاج الى براهين تثبتها وتثبت ان الروح شيئ مستقل عن البدن قائم بذاته حتى يصح وقوع هذه الامور للشخص بعد موته مباشرة من دون استبطاء.
ادلة القيامة الصغرى
زيد – ما اكثر البراهين على هذا يا عمار انظر الى قول العلامة الراغب الاصفهاني في طتابه " مفردات القرآن " عند تكلمه على الساعة وما تضمنته من ادلة قال " والساعة الصغرى وهي موت الانسان فساعة كل انسان موته وهي المشار اليها بقوله ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعة بغته) ومعلوم ان هذه الحسرة تنال الانسان عند موته لقوله ( وانفقوا ما رزقناكم من قبل ان يأتي احدكم الموت الآية....) وعلى هذا قوله ( قل أرأيتم ان اتاكم عذاب الله او أتتكم الساعة) وروى انها كان اذا هبت ريح شديدة تغير لونه عليه السلام فقال " تحوفت الساعة وقال ما امد طرفي ولا اغضها الا واظن ان الساعة قد قامت" يعني موته ا. هـ . فالساعة في الآيتين يراد بها الموت الطبيعي كما هي في الحديث ايضاً وهذه هي القيامة الصغرى.
وروى البخاري عن هشام عن عائشة "ر ض" قالت كان رجال من الاعراب حفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر الى اصغرهم فيقول " ان يعيش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم" قال هشام اعني موتهم ا . هـ .
قال العلامة القسطلاني في شرحه هذا الحديث : لان ساعة كل انسان موته فهي الساعة الصغرى لا الكبرى أ . هـ .
وعن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( اذا مات احدكم فقد قامت قيامته واعبدوا الله كأنكم ترونه واستغفروه ساعة) .
قال الامام الغزالي في كتابه " المضنون به على غير اهله الكبير عند تكلمه على هذا الحديث " الفاء ههنا للتعقيب يعني قامت قيامة الميت عند موته مثال ذلك من سرق نصاباً كاملاً من حرز فقد استحق قطع يده وهذا عقاب لا يتأخر عن هذا الفعل وقال تعالى ايضاً ( ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفاً لقتال او متحيزاً الى فئة فقد باء بغضب من الله) أ . هـ .
والمعنى ان من مات فقيامته قد قامت بمجرد موته .
قال العلامة البروسوي في تفسيره " روح البيان " في اول سورة القيامة قال المغيرة بن شعبة رحمه الله تعالى " يقولون القيامة القيامة وانما قيامة احدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفن قال اما هذا فقد قامت قيامته أ . هـ ."
واورد هذا غير واحد من المفسرين ومعنى قامت قيامته اي صار الى جنة او نار واعقب العلامة البروسوي هذا الحديث بالبيت الآتي:
خرجت من الدنيا فقامت قيامتي           غداة اقل الحاملون جنازتي
وكثيراً ماجاء في الحديث ذكر القيامة يراد بها القيامة الصغرى من ذلك ما جاء في البخاري في باب المكثرون هم المقلون عن ابي ذر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال ان المكثرين هم المقلون يوم القيامة الا من اعطاه الله خيراً فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا. فهذه القيامة هي القيامة الصغرى التي نحن بصددها.

No comments:

Powered By Blogger