Sunday, August 14, 2016

المقال الثاني من سلسلة مقالات "تبيان وبرهان"



سلسلة مقالات تصدر في شكل حوار بين اربعة أشخاص وهم زيد وخالد وعزرا وبطرس وقد آمنوا بالعقيدة البهائية في حوار مع صديق خامس لهم على دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام...... تابعوا معي هذه المقالات

المقال الثاني
أخطاء الأمة السابقة يظهرها الرسول اللاحق
زيد - لا شك أن أصول الأديان كلها واحد وأن التغيير والنسخ انما يقع في الفروع دون الأصول ولكن التخالف الذي يقع في مثل هذه الأمور إنما يأتي من خطأ العلماء في فهم ما هو المراد من الآية أو الحديث الذي هو مصدر ذلك المعتقد المختلف فيه ولو اتفق علماء أمة جميعهم على ان معنى تلك الآية أو الحديث كذا وجاء رسول آخر بعد ذلك واخبر بخلافه ظهر أن علماء الأمة السابقة كانوا مخطئين في فهم تلك الآية أو الحديث. خذ مثالاً لذلك هذه الأمة الموسوية تعتقد أن بعد موسى عليه السلام لا يأتي مشرع آخر وأن المسيح الموعود الذي تنتظره إنما يأتي ويؤيد التشريع الذي هم عليه.
والنصارى والمسلمون جميعهم يعتقدون بأن اعتقاد اليهود هذا باطل ومنشأ اعتقادهم هذا من خطأ فهمهم معنى الآية التي يزعمون أنها دالة على أبدية شريعتهم.
عمار- ما هى تلك الآية:
زيد - هى التي جاءت في سفر الخروج الإصحاح 31آية 16 و17 قوله تعالى     ( فيحفظ بنو اسرائيل السبت. ليصنعوا السبت في أجيالهم عهداً أبدياً هو بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد).
ففسروا (ليصنعوا السبت في أجيالهم عهداً أبدياً) بأن حرمه الأشتغال في يوم السبت أبدية وعليه أن شريعة موسى أبدية ومنشأ ذلك خطؤهم في فهم الآية فإنهم ذهبوا إلى الأبدية المطلقة والحال أن هذه الأبدية هى أبدية مقيدة لقوله تعالى (ليصنعوا السبت في أجيالهم) فخصص صنع السبت في أجيالهم التي هى لهم اعني التي هى مدة دينهم وهى ما بين ارسال موسى وعيسى عليهما السلام وهذه مثل قوله تعالى (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها)—المائدة آية 27. فالأبدية ههنا مقيدة بمدة دوامهم فيها.
وهكذا الأمة المسيحية تعتقد أن شريعتها أبدية وان عيسى عليه السلام نفسه سيعود لهذا العالم ويؤيد نفس الشريعة مستدلين بما جاء في انجيل متى الإصحاح 24 آية 35 قوله تعالى (السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول) ففسروها على أن شريعة عيسى عليه السلام لا تزول أي لا تنسخ فهى إذاً أبدية وهذا التفسير لا يصح لأن التوراة كلام الله  وإنما معنى الآية أن كلام الله لعباده على ألسن رسله لا ينقطع بل لا يزال ولم يزل يرسل به رسله وينزل به كتبه رحمة من لدنه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)—الأنبياء آية 107 فخطأ معتقدات الأمة السابقة إنما يظهرها الرسول اللاحق.

اختلاف الأمة في حقيقة القيامة
هذا مع العلم أن علماء الأمة المحمدية لم تتفق على ما هو معروف بين الناس من يوم القيامة بل اختلفوا في حقيقتها فمنهم من قال أنه لا يعلم تلك الحقيقة إلا الله ومنهم من قال أنها ظاهرة ومعروفة، كما أنهم اختلفوا أيضاً في أوصافها وأحوالها التي جاءت في القرآن والحديث فمنهم من أخذها على ظاهرها ومنهم من تأولها وقال أنها ليست على ماهو الظاهر من الآيات والأحاديث فهذا العلامة الراغب الأصفهاني يقول " في كتابه مقدمة التفسير المطبوع مع كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن لعبد الجبار" :
(.... عامة أعيان الصحابة وكثير من المفسرين بعدهم ذهبوا إلى أنه يصح أن يكون في القرآن بعض مالا يعلم تأويله إلا الله.
قال ابن عباس: أُنزل القرآن على اربعة أوجه وجه حلال وحرام لا يسع أحد جهالته ووجه يعرفه العرب ووجه تأويله يعلمه العالمون ووجه لا يعلم تأويله إلا الله ومن انتحل فيه علماً فقد كذب وحمل الآية على أحد وجوه ثلاثة احدها أنه جعل التأويل بمعنى ما تؤول إليه حقائق الأشياء من كيفياتها وازمانها وكثير من أحوالها وقد علمنا أن كثيراً من العبادات والأخبار الإعتقادية كالقيامة والبعث ودابة الأرض لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقائقها وازمانها وهذا هو المراد بقوله تعالى" ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ) الآية انتهى.
وقال الكفوي أبو البقاء في كلياته في بحث المحكم والمتشابه ما نصه:
"والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال إلى آخره".
فترى العلامة الأصفهاني يقول: لا سبيل لنا إلا الوقوف على حقيقة القيامة والبعث ولا على ازمانها.
ويقول العلامة الكفوي: ان قيام الساعة مما استأثر الله بعلمه" بينما ترى العلامة الشيخ رادة يرى أن حقيقة الساعة أمر معروف وظاهر وإليك نص عبارته في حاشيته على البضاوي في سورة الأعراف الآية 187 قال: "أنه تعالى قد كشف وأظهر نفس قيام الساعة بدلائل قطعية ونصوص متعاضدة أ.هـ."
أرأيت يا عمار كيف أن العلماء مختلفون في حقيقة القيامة. والقول الذائع المشهور هو القول الأخير فلذا أراك اعتمدته.
اختلاف الأمة في صفات المعاد
وهكذا اختلافهم في احوالها واوصافها فقد قال العلامة الراغب الاصفهاني في كتابه" غريب القرآن" ما نصه :
" والمتشابه من جهة المعنى اوصاف الله تعالى واوصاف يوم القيامة فان تلك الصفات لاتتصور لنا اذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة مالم نحسه او لم يكن من جنس ما نحسه أ.هـ . "
وقال العلامة ابن رشد في كتاب " فصل المقال في مابين الشريعة والحكمة من الاتصال" بعد ان بين ان الشرع منقسم الى ظاهر وباطن وان هناك صنفا ثالثا مترددا بين هذين الصنفين يقع فيد الشك فيلحقه قوم ممن يتعاطى النظر، بالظاهر الذي لا يجوز تأويله ويلحقه آخرون بالباطن الذي لا يجوز حمله على الظاخر قال ما نصه :
( فان قيل فاذا تبين ان الشرع في هذا ثلاث مراتب فمن اي المراتب الثلاثة هو عندكم ما جاء في صفات المعاد واحواله فنقول ان هذه المسألة الامر فيها بيَّن انها من الصنف المختلف فيه وذلك انا نرى قوما ينسبون انفسهم الى البرهان يقولون ان الواجب حملها على ظاهرها اذ كان ليس ههنا برهان يؤدي الى استحالة الظاهر فيها. وهذه طريقة الاشعرية وقوم آخرون ممن يتعاطى البرهان يتأولونها وهؤلاء يختلفون في تأويلها اختلافا كثيرا وفي هذا الصنف ابو حامد معدود. هو وكثير من المتصوفة ومنهم من يجمع فيها المتأويلين كما يفعل ذلك أبو حامد في بعض كتبه ويشبه ان يكون المخطئ في هذه المسألة من العلماء معذوراً والمصيب مشكوراً او مأجوراً وذلك اذا اعترف بالوجود وتأول فيها نحواً من انحاء التأويل اعني في صفة المعاد لا في وجوده اذا كان التأويل لا يؤدي الى نفي الوجود وانما كان جحد الوجود في هذه كفرا لانه اصل من اصول الشريعة).
أرأيت كيف ان علماء الامة كذلك هم مختلفون في ما جاء في احوال القيامة واوصاف المعاد فمنهم من اخذ الآيات والاحاديث على ظاهرها ولم يرى جواز تأويلها ومنهم من تأولها ولم ير جواز اخذها على الظاهر. ومنهم من لم ير تأويلها ولا اخذها على ظاهرها اذا تلك الصفات لا تتصور لنا كما مر من كلام العلامة الاصفهاني علية الرحمة فهو اذن من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه .
وتأمل فيما يقول ابن رشد ترى انه يصف الذين يحملون ما جاء في احوال القيامة على ظاهرها بانهم قوم ينسبون انفسهم الى البرهان اي انهم ليسوا من اهل النظر والتدليل وهذا نص وتصريح منه بخطئهم وتصويب المتأولين واجاز التأويل فيها لدرجة ان لا يكون معه نفي لوجود المعاد نفسه اذ انه اصل من اصول الشريعة وجحده كفر .
وهذا الاختلاف يدلك على ان ما هو المشهور بين الناس من امر القيامة ليس هو كقضية مسلمة يلزم الاخذ بها واعتقادها. ومع  هذا ان ما قررته من ان القيامة هي موت الناس في صيحة واحدة وخروجهم من قبورهم في صيحة اخرى ووضع الصراط وامثاله هو حق ولكن ليس بالمهنى المشهور بين الناس.

No comments:

Powered By Blogger